بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
روى أصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن الله رفع عن أمتى الخطأ وما استكرهوا عليه " رجاله ثقات وليست فيه علة قادحة، " فيض القدير" وروى الجماعة إلا النسائى أنه صلى الله عليه وسلم قال "من نسى وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه " وروى الدارقطنى بإسناد صحيح أنه قال "إذا أكل الصائم ناسيا أو شرب ناسيا فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه " . ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا فإن صيامه صحيح وهذا موافق لقوله تعالى {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } البقرة :225، والنسيان ليس من كسب القلوب ، وما دام صومه صحيحا فعليه أن يمسك عن الطعام ويتم صومه . وهذا واضح فى صيام رمضان تعظيما لحرمة الشهر، أما فى غير أداء رمضان كالنذر المعين أو غير المعين وكصيام الكفارات وقضاء رمضان وصوم التطوع فلا يجب عليه الإمساك بقية اليوم ويجوز له أن يفطر عند الجمهور ولكن الإمام مالكا قال : يجب الإمساك فى النذر المعين ، أما فى غير المعين وباقى الصوم الواجب فإن كان التتابع واجبا فيه كصوم كفارة رمضان وما نذره متتابع فلا يجب الإمساك إذا أفطر عمدا ، لأنه بطل ، ولأنه يجب استئنافه من أوله ، وإن أفطر سهوا فإن كان فى غير اليوم الأول وجب الإمساك ، وإن كان فى اليوم الأول ندب الإمساك ولا يجب . وإن كان التتابع غير واجب كقضاء رمضان وكفارة اليمين جاز الإمساك وعدمه ، سواء أفطر عمدا أم لا، وإن كان الصوم نفلا فإن أفطر ناسيا وجب الإمساك لأنه لا يجب عليه القضاء بالفطر نسيانا ، وإن كان عمدا فلا يجب الإمساك ، لوجوب القضاء عليه بالفطر عمدا . وقد تحدث العلماء عن سند قول مالك فى وجوب القضاء على من تعمد الفطر فى صيام النفل ، وعن وجوب الإمساك إن أفطر ناسيا مع عدم القضاء ، فوجدوه ضعيفا وليس المجال مجال تفصيل لهذه المناقشة ، والمهم أن نعرف أن دليل الجمهور قوى فى أن النسيان لا يؤثر على الصيام حتى لو كان الأكل كثيرا . ويؤيده ما أخرجه أحمد عن أم إسحاق أنها كانت عند النبى صلى الله عليه وسلم فأتى بقصعة من ثريد، فأكلت معه ثم تذكرت أنها صائمة-وهذا لم يكن فى رمضان قطعا لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأكل معها-فقد يكون صيام نذر أو قضاء أو نفل ، فلما تذكرت أنها صائمة قال لها ذو اليدين : الآن بعدما شبعت ؟ فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم "أتمى صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك " .